مشهد كردي وتعليق آشوري

آشور كيواركيس
23-08-2011

أنه عارٌ على الحمقى أن يحاولوا إخفاء جروح لم تندمل – الفيلسوف الروماني هوراس

مسؤول “المنظمة الديموقراطية الآشورية” في السويد رافعاً ذلــّــه فوق رأسه

في عزّ العربدة الأميركو – أوروبية تحضيراً للشرق الأوسط الإسلامي الجديد، حيث يتبادل مؤسّسو دول الشرق الأوسط المتخلف الأدوار في خطابات حقوق الإنسان ودعم “الديموقراطية” على الشاكلة العراقية، تتوالى الأحداث والمواقف ضد سوريا تحضيراً للفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط الجديد، التي تحدّثت عنها كونداليزا رايس لصحيفة الواشنطن بوست في 09/04/2005، ذلك الشرق الأوسط الذي لن تكتمل بشاعته إلا بسقوط النظام السوري، وحلول مصيبة جديدة على المجموعات الإثنية والدينية الأصيلة، فتاريخ “الفوضى الخلاقة” يعود إلى قبل ولادة كونداليزا حين صنع الإنكليز عراقهم عام 1921 وكان نتيجة ذلك تعريب وتكريد وأسلمة بحق الآشوريين، الشعب الأصيل لما يسمّى اليوم “عراق”، وعقود نفط لبريطانيا، وصراع سني شيعي يستكمل بعد أربعة عشر قرن …

ورغم صراخ التاريخ وسخرية القدر وقذارة الواقع، لم يتمّ تأسيس “حركة قومية آشورية” حقيقية حتى الآن، بل كل ما لدى الآشوريين حزيبات (1) “واقعية” تجمع جياعاً وعاطلين عن العمل … خليط من أحزاب غريبة مناهضة للخصوصية القومية الآشورية (الشيوعيين، البعثيين، القوميين السوريين) وخريجي الأحزاب الكردية وما هبّ ودبّ من مارقين … ومن هذه الحزيبات ما يسمّى بـ”المنظمة الديموقراطية الآشورية” التي أسسها ذلك الخليط عام 1957 في مدينة القامشلي، والتي لا تزال حتى اليوم لا تعترف بقومية ولا بأرض آشورية (2) بل تتبنــّـى الفكر القومي السوري المناهض للخصوصية القومية الآشورية على  أن كل شعوب الشرق الأوسط هم من “شعبنا” (3).

يقول المثل “إن لم تستح فافعل ما شئت” وقد طبقت الحزيبات الآشورية هذا القول بدءاً من دخول أصحاب الشعارات الطنانة والنضال والبطولات الزائفة، مرحلة الجدّ، وبداية ذلك كان سقوط صدام عام 2003 حيث شهدنا محاولة اغتيال الهوية القومية الآشورية وولادة مشروع تكريد سهل نينوى في مسرحية يونادم كنا في تشرين الأول عام 2003 تحت عنوان “المنطقة الإدارية” والذي يتـــّــضح اليوم للبسطاء من خلال اجتماعات أربيل برعاية يونادم كنا والداعية لتأسيس محافظة سهل نينوى التابعة للإحتلال الكردي وفقاً للمادة /35/ من الدستور الكردي.

وفي كل هذه “الإنجازات”، كان لما يسمّى “المنظمة الديموقراطية الآشورية” دور هام في الطرح والمتابعة والتشجيع، ونراها اليوم في نفس موقع الحركة، فهي عضوة في زمرة كردو- إسلامية، تتظاهر بالنضال ضد سياسة تعريب، تطالب بحقوق الأكراد (أرض كردية) وحقوق الأخوان المسلمين (أسلمة غير المسلمين)، وتقوم بإسكات بسطائها بعبارة “الإقرار بالوجود القومي لشعبنا” … إنها نفس لعبة كنــّـا، مدعومة بنفس الشعار الغبي في المهجر الآشوري : “نضال أحزابنا في أرض الوطن”… ولهذا الشعار قصــّـة طويلة، تلعب بطولتها النوستالجية الآشورية الرعناء في المهجر وقد شرحناها في مقالة سابقة  بعنوان “إشكالية المهجر الآشوري وحزيبات الزمن الرديء”.

وقبل أيام – نقولها بكل أسف – أثبتت المنظمة التي تعتبــَـر من “المناضلين في أرض الوطن”، بأن كل كلامنا عن المهجر الآشوري وحزيباته صحيح، حيث نظــّـم نفرٌ من أعضائها مظاهرة بمعيــّـة  الأكراد ضدّ النظام السوري ورفــَـع مسؤولها في السويد علم ما يسمّى “كرxxx” – الكيان المـُـفترَض تأسيسه على أرض آشور غصباً.

من يستطيع تفسير هذه الظاهرة الخطيرة سواء في عمل المؤسسات الآشورية الفاسدة على مدّ نشاطها إلى المهجر الآشوري الحرّ، أو في تصرفات الناشطين الآشوريين الذي يعيشون في حرية المهجر، ويعملون وفقاً لسياسة الحــُـزيبات الآشورية المتعاملة مع “الواقع المرير” الذي يتذرعون به ؟ وما ذريعة المهجر الآشوري حول ذلك خصوصاً أنه يتمتــّـع بكافة العوامل التي تتيح له مناهضة أعداء الأمة الآشورية وفضحها ونشر القضية الآشورية في المنابر الدولية ؟

رغم كون الصورة بسيطة من حيث الألوان والبسمات إلا أنها رمزية تعبـّـر عن ألف كلمة حول الأزمة الأيديولوجية التي تمرّ فيها الأمة الآشورية سواء على صعيد الشعب أو الحزيبات، حيث نرى فيها كتلة من اللحم والعظام على شكل إنسان يعيش في أكثر دول العالم حرية وتطوّراً، رافعاً علماً لوطن مـُـفتـرَض أن يــُـبنى غصباً على أرض أجداده وشهدائه … والأنكى من ذلك هو أن هذا “الكتلة” عضو قيادة المنظمة الديموقراطية الآشورية، والتي أدّعت على مر العقود بكونها “مدرشتو أومتونيثو” (مدرسة قومية) …

بهذه الحركة يكون مجدداً هذا الحـُــزيبي وبإسم حــُـزيبه، قد استهزأ بالشهادة الآشورية وكل مقدّسات الفكر القومي الآشوري (لو فهمه)، وليس بالضرورة أن تتم معاقبته بواسطة “الخازوق” بحسب شريعة حمورابي كون الأمة الآشورية تعيش حالة فوضى وليست منظــّـمة حتى الآن بشكل كامل لتقوم بذلك … ولكن كوننا نعيش في القرن الواحد والعشرين نكتفي بالسؤال : هل ستتعامل المنظمة مع هذا النموذج وفقاً للفكر القومي الآشوري ؟ أم وفقاً لمبادئها ؟

1- الحـُـزيب : تصغير “حزب” وهي عبارة بدأ الكاتب باستعمالها للتقليل من قيمة الأحزاب الآشورية الغير عقائدية.

2- المبادئ الأساسية للمنظمة، حيث لن يجد القارئ عبارة “القومية الآشورية” بل “قومية شعبنا” أو “الوجود القومي للشعب الآشوري” وهذا فرق معنوي شاسع مقابل “القومية الآشورية” و”الشعب الآشوري” ووجوده القومي، ومن ناحية الأرض ليس هناك في مبادئ المنظمة “آشور” أو حتى “أرض آشورية” أو “وطن آشوري” … بل “بيث نهرين” التافهة وهي الوجه الآخر لـ”سوريا الكبرى” التي تمتدّ بين جبال زاغروس ونهر النيل بالمفهوم القومي السوري، الذي يمنع مجرّد التحدّث عن أرض آشورية محددّة جغرافياً ويناهض أي حركة قومية ضمن هذه الجغرافيا.

3- فصل بعنوان “الآثورية والقومية” – من أفكار المنظمة.