http://www.assyrian4all.net/akhne

السابع من آب : يوم الشهيد الآشوري

آشور كيواركيس – بيروت
صحيفة “النهار” اللبنانية
14-08-2011

إذا كانت الشهادة أسمى ما يقدّمه الإنسان لقضية أو معتقد، فإن الشهادة الآشورية باتت جزءاً من حياة الأمة، في مسلسل بدأ إثر سقوط نينوى عام 612 ق.م ولم ينته لحدّ كتابة هذه الأسطر، وفي هذا اليوم المبارك يستذكر الشعب الآشوري نكبات الأمة الآشورية ونضالها وصمودها عبر تاريخها، منذ إحتلال آشور من قبل الفرس ثم العرب ثم الأتراك، وأخيراً تأسيس دولة العراق الأولى التي كانت مجزرة العام 1933 بحق الآشوريين فيها، وصمة العار الأولى على جبينها، مروراً بدولة العراق البعثية وصولاً إلى دولة اليوم، دولة الأسلمة والتكريد بدعم الدستور، والتي تتحمّل المسؤولية عن كافة المجازر بحق الأمة الآشورية منذ العام 2003 حتى الآن.

السابع من آب يوم الشهيد الآشوري، مناسبة تمّ تقريرها في المؤتمر التأسيسي لمنظمة “الإتحاد الآشوري العالمي” في فرنسا عام 1968، لتمثل يوم التقدير لمن أعطوا أغلى ما لديهم في سبيل الأجيال الآشورية اللاحقة، والذين قضوا تحت سيوف الغدر والتخلف بأعداد هائلة بسبب آشوريتهم ومسيحيتهم، حين لم يكن هناك رويترز وCNN وغيرها لنقل الفظائع حول ما جرى في جبال آشور وسهولها عبر قرون من الزمن.

وقد كانت انطلاقة القضية الآشورية عام 1915 كجزء من انتفاضات الحركات القومية في العالم بعد الثورة الفرنسية، حيث قام روّاد الحركة القومية الآشورية من كل الطوائف بتحدّي محيطهم وأولهم الشهيد الصحفي آشور يوسف الذي أسس جريدة “مرشد الآشوريين” وهو من كنيسة السريان الأورثوذوكس، وبعده بطريرك كنيسة المشرق الشهيد مار بنيامين شمعون الذي قاد شعبه في الجبال، ثم الجنرال بطرس إيليا الملقب بآغا بطرس وهو من الكنيسة الكلدانية، وأيضاً الأستاذ الصحفي يوسف مالك الذي بقيَ ملاحـَـقاً حتى وفاته في بيروت عام 1959 بسبب عمله على تأسيس كيان قومي آشوري … والزعيم ياقو ملك إسماعيل وغيرهم الكثيرين من الرموز الثورية التي تعدّ مفخرة النضال التحرري الآشوري في القرن العشرين.

هذا وقد مرّت الأمة الآشورية عبر تاريخها الحديث في عدة منعطفات هامة كانت للأسف ممهّدة لمجازر لاحقة والمزيد من الإضطهاد والتهجير ومنها:

1- مجازر الأكراد بقيادة بدرخان الذي قتل بين عامي 1843 و1847 أكثر من أربعين ألف آشوري في جبال آشور، وذلك بتحريض من إرساليات الكنائس الغربية لكسر شوكة العشائر الآشورية واقتحامها عقائدياً تحت عنوان “التبشير بالمسيح” بعد أن كانت الإرساليات عاجزة عن إجبارهم على ترك كنيستهم العريقة، كنيسة المشرق، علماً أن الآشوريين لم يحتاجوا يوماً إلى التبشير كونهم أوّل المسيحيين منذ عهد بطرس الرسول كما جاء في رسالته الأولى – الإصحاح الخامس، الآية 13.

2- إنسحاب روسيا من الحرب العالمية الأولى عام 1917 أثناء وقوف الآشوريين ضد الإبادة الجماعية بحقهم على يد الدولة العثمانية والأكراد والإيرانيين مما أجبر الآشوريين للجوء إلى بريطانيا، تماماً كما لجأ إليها العرب وغيرهم للتخلص من نير العثمانيين.

3- إنضمام العراق إلى منظمة عصبة الأمم عام 1932 حين دخل في لعبة المصالح الدولية كأداة لها حرية التصرّف بشعبها مقابل عقود النفط للدول العظمى، مما أطلق يد الدولة العراقية في المزيد من الغطرسة ضد الآشوريين.

4- مجزرة عام 1933 على امتداد قرى آشور (أي شمال العراق الحالي) والتي كانت ضربة للقضية الآشورية من قبل دولة العراق وبإشراف الإنتداب البريطاني، بعد أن استمرّت القضية الآشورية قيد المناقشة في المنابر الدولية لسنوات طويلة وبرزت كمشكلة أمام الأطماع البريطانية في عقود النفط مع العراق.

5- مجازر عام 1946 التي ارتكبتها إيران بزعامة الشاه محمـّـد رضا بهلوي في أكثر من مئة قرية آشورية حول بحيرة أورميا.

6- بدء ما يــُعرَف بـ”الثورة الكردية” في العراق حين بدأت العشائر الكردية تسيطر على آشور، وما رافق ذلك من معارك عسكرية ضد الحكومة العراقية بدءاً من العام 1961 والتي راح ضحيتها الكثير من الآشوريين قتلاً وتهجيراً، والأهم من ذلك هو خلق تيار أيديولوجي قومي جديد يقضي على الهوية الآشورية أرضاً وثقافة، يتمثل ببناء كيان كردي على أرض آشور، شمال عراق اليوم.

7- وصول البعث إلى السلطة عام 1968 حيث بدأت سياسة التعريب ضدّ الشعب الآشوري ومجزرة قرية صوريـّــا عام 1969، بالإضافة إلى اعتقال الآلاف من الآشوريين وإعاقة دراستهم وحياتهم بكرامة وتعذيبهم في السجون لمجرّد أنهم يرفضون التسجيل كعرب في الإحصاءات الرسمية، مما سبب هجرة مئات الآلاف حتى سقوط البعث عام 2003.

8- تأسيس حزب العمال الكردي في تركيا بزعامة عبد الله أوجالان مما خلق حالة أمنية وعسكرية تجسـّـدت بصراع دموي بين الحزب والحكومة التركية، حيث دارت الكثير من المعارك في مناطق الآشوريين من السريان مما سبب هجرة غالبيتهم من مناطق طورعابدين وآمد (المسماة “ديار بكر”) وماردين وغيرها.

9- وأخيراً، نهاية البعث في العراق، التي كانت من المفترض أن تكون منعطفاً إيجابياً، إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهيه السفن الآشورية، حيث تترجمت أيديولوجيات ما كان يسمّى بـ”المعارضة العراقية”، على أرض الواقع، بفرض سياسة الأسلمة والتكريد وذلك من خلال البرامج السياسية لكافة التيارات العراقية الحاكمة اليوم، كما في الدستور العراقي نفسه الذي يشرّع كل ما نشهده من مصائب على الأمة الآشورية، مما سبب هجرة أضعاف أعداد الآشوريين المهجـّـرين في عهد البعث.

هذه كانت مأساة الآشوريين ولا تزال … إنها مسألة معاناة شعب أصيل في محيط يسوده التعصب الديني والقومي، متجسداً في صراع ثقافات لا ينتهي ولكنه مزين بالخطابات السياسية المعسولة، ويقابل ذلك صمت آشوري لدى الساسة الآشوريين المشاركين في مؤسسات حكومة الأسلمة والتكريد اليوم، علماً أنهم عارضوا حكومة التعريب أيام صدام ولم يشاركوا فيها على أنهم مخلصين لأمتهم، إضافة إلى الصمت العالمي سواء من ناحية الإعلام أو السياسة، فمن ناحية الهوية الآشورية يتم التعامل مع الآشوريين على أنهم “مسيحيـّـو العراق”، مما يمهد لتعريبهم كـ”عرب مسيحيين”، أو تكريدهم كـ “أكراد مسيحيين”، ومما يحصر حقوقهم في بناء الكنائس فيما تتم مصاردة أراضيهم شبراً بعد شبر وفقاً لبرامج عنصرية قومية كانت أم دينية.

وها هو السابع من آب هذه السنة ليس أفضل من الذي سبقه، فالكنائس الأربعين التي تم تفجيرها في العراق لا تزال تزداد عدداً وكان آخرها تفجير كنيسة العائلة المقدّسة للسريان الكاثوليك في كركوك قبل أيام قليلة، هذا بعد أن أقام راعي الكنيسة مأدبة رمضانية مشاركاً فيها أبناء جيرته من المسلمين.

أمام ذلك، إن دور الرأي العام الدولي يأتي بالدرجة الأولى من الأهمية، في مجرّد أن يطبــّـق القوانين التي صاغها بنفسه، فالشعب الآشوري هو شعبٌ أصيل معرّض للفناء على يد محيطه، وبذلك يجب أن تتم حمايته وفقاً لإعلان الشعوب الأصيلة (Indigenous People Declaration) الصادر عام 2007 عن المنبر الدائم لشؤون الشعوب الأصيلة، التابع لمنظمة الأمم المتحدة، وهذا لن يتم إلا بخطوة أولى من الآشوريين أنفسهم، وتحديداً آشوريي المهجر.

وفيما يتعلق بآشوريي لبنان، فقد سكن الآشوريون هذا البلد منذ قرون، وذلك ضمن الهجرات الجماعية أو تنقل المطارنة والرهبان مع عوائلهم بسبب الرابط الكنسي بين السريان في آشور ولبنان، حيث لا يزال هناك الكثير من مسيحيي الطوائف اللبنانية ينتمون بأصولهم إلى الآشوريين وخصوصاً بعض عشائر شمال لبنان في زغرتا وبشرّي وعكار، كما في البقاع وبيروت، ومنهم عائلة شيحا، ومنها ميشال شيحا الآشوري، واضع الدستور اللبناني، والذي كان والده قنصل فرنسا في بغداد.

أما في العصر الحديث فقد وصل الآشوريون إلى لبنان أفواجاً أفواجاً بدءاً من اضطهاد العثمانيين والأكراد أثناء مجازر 1896 في طور عابدين ومحيطها، مروراً بالحرب العالمية الأولى ثم مجزرة 1933 واضطهاد البعث في السبعينات والثمانينات، وأخيراً أفواج المهاجرين من اضطهاد دولة العراق الحالية … إختيار لبنان كان باعتباره ملجأ المسيحيين المضطهدين في الشرق، ويعيش الآشوريون فيه براحة وأمان وحرية تامة، مشاكلهم مشاكل كل لبناني، كما أفراحهم، فهم آشوريي القومية، ولكنهم جزء لا يتجزأ من الشعب اللبناني كونهم شاركوه بمعاناته وقضاياه ونضالاته وشهادته من أجل مصيره، حيث تعدّى عدد شهدائهم الألف وخمسماية شهيد من كافة طوائفهم. ويتواجد الآشوريون اليوم بأعداد لا بأس بها، تناهز ألخمسين ألفاً من كافة الطوائف، ويتمتعون بكامل الحرية في التعبير عن انتمائهم القومي والديني لا بل يشاركون باقي اللبنانيين في الحياة السياسية كل حسبَ قناعاته، ولكن هذه المشاركة لم تأت على المستوى المطلوب لأسباب عدّة لسنا في صددها، إلا أنه من الجدير لفت نظر المسؤولين اللبنانيين في هذه المناسبة المباركة، أنه من واجب الدولة اللبنانية السير بمسيرة الدول المتطوّرة التي تراعي حقوق الإنسان، فليس همنا المناصب النيابية فقط كما أوحيَ لبعض الساسة اللبنانيين مؤخراً من قبل أبواق بعض التيارات اللبنانية المتصارعة، بل هناك أمورٌ أهمّ،  تتعلق بكرامة الشعب الآشوري ومصيره، كإعتراف لبنان رسمياً بالإبادة الجماعية بحق الأرمن والآشوريين في تركيا خلال الحرب العالمية الأولى، ومن واجب الآشوريين والأرمن حث الدولة اللبنانية على ذلك، كما على الدولة اللبنانية تحسين أوضاع الآشوريين اللاجئين من اضطهاد دولة العراق وتياراتها، وذلك بوقف استغلالهم من قبل أرباب العمل، وتسهيل أمورهم في شتى المجالات الحياتية باعتبارهم جزءاً من الشعب الآشوري المضطهد، وندعوا كنائس الشعب الآشوري في لبنان (السريانية والكلدانية والشرقية الآشورية) إلى تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة ذلك.

وبهذه المناسبة، إحتفل الشعب الآشوري في لبنان بتاريخ الأحد 07/آب/2011، حيث أقيمت الصلوات على أرواح الشهداء ونزل ناشطون إلى مقر الأمم المتحدة في بيروت من كافة مناطق سكن الآشوريين (زحله، بعبدا، الأشرفية، البوشرية …) ومن كافة الطوائف الآشورية (كلدان، سـُـريان، الكنيسة الشرقية الآشورية) حيث وقعوا أسماءهم على رسالة تطالب بحماية دولية للآشوريين في العراق، وذلك وفقاً لإعلان الشعوب الأصيلة الذي أتينا على ذكره، والذي يقضي بحق الشعب الآشوري بإقليم أو منطقة آمنة، كما كانت حال الأكراد منذ العام 1990 حتى تأسيس كيانهم الغاصب على أرض آشور إثر سقوط نظام البعث، وبعد عقود من احتلال أراضي الآشوريين بالقوة وطردهم من قراهم المسجلة بإسمهم، وقد جاء تأسيس هذا الكيان مدعوماً بما يسمّى “دستور العراق”.

 

خلال القداس على راحة أنفس الشهداء الآشوريين

 

 

جانب من المسيرة أمام مبنى الأمم المتحدة في بيروت

/index.php/topic,19745.0.html